مداخلة رئيس السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي السيد بورحيل سمير خلال الاجتماع الافتراضي المنظم من طرف المنظمة العربية لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات تحت عنوان “حماية البيانات في عصر التكنولوجيا الناشئة والمستقبلية “
بـــــسم الله الرحمان الرحيم
والصـــــلاة والســـلام على رســــوله الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني في بداية مداخلتي هذه أن أتَوجّه إليكم جميعا كلّ باسمه بتحية أخوية.
وأودّ فِي المقام ذاته أن أتقدّم إلى السيّد محمد بن عمر، المدير العام للمنظّمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمَعلومات بِأَخْلَصِ عبارات الشّكر عَلَى الجهود الَتِي بَذَلَهَا لِتَنْظِيمِ هَذَا اللِقَاءِ الأَخوِي بَيْنَ الأَشِقَاء.
الســـيدات الفضـليـــات، الســـادة الأفـاضــل،
إنّ المَــــوضــــوع المُتَــــــــــمَـــــيِّز المَــــــــــطروح على طاولـــــــة النـقاش تــــــــــــحت عـــنـــــــــوان: ” الخصوصية وحماية البيانات في عصر التكنولوجيا الناشئة والمستقبلية” يعتبر من المواضيع الحيوية في العصر الرقمي الحديث الذي أصبحت فيه المعلومات الشخصية عرضة للخطر والاختراق والتشويه والاستعمال غير الأخلاقي.
إنّ ورشتنا هذه تهدف كما هو معلوم إلى تقديم رؤى حول المشهد الحالي للخصوصية وحماية البيانات في العالم بصفة عامة وفي منطقتنا العربية بصفة خاصة، مركزين بذلك على التحديات والفرص التي تقدمها التكنولوجيا الناشئة، وهذا من خلال مناقشة التطورات التنظيمية والإستراتيجية وأفضل الممارسات التي توازن بين الابتكار وأمن البيانات والمعطيات الشخصية.
الســـيدات الفـضليـــات والســـادة الأفـاضــل،
إنّ التطور الحاصل في مجال تكنولوجيات الإعلام والاتصال يُعد ثورةً رقمية متعددة الأبعاد، ولعل من أهم الإشكالات المطروحة في عصرنا هذا هي مدى الموازنة بين تشجيع وتطوير الإبداع والتجديد التكنولوجي المفروض في بيئتنا، وبين حماية الحقوق الأساسية للأفراد، لاسيما الحق في الخصوصية وأمن المعطيات الشخصية.
فمع التسارع في وتيرة التقدم التكنولوجي، ظهرت الحاجة الملحة إلى التَّكيف مع هذه التَّغيرات، فظهور الشبكات الاجتماعية والبيانات الضخمة (Big Data) قد زاد من حجم المعلومات الشخصية المتاحة، مما يستدعي إعادة النظر– من خلال النصوص التشريعية والتنظيمية- في كيفية تنظيم هذا الاستعمال الكبير الذي أدّى إلى جمع كميات هائلة من البيانات وتخزينها في قواعد معطيات أنشئت هنا وهناك.
إنّ بلدي الجزائر، وعلى غرار باقي دول العالم عزّزت ترسانتها التشريعية الرامية إلى تكريس الحق في الخصوصية، إذْ وثَّق التعديل الدستوري لسنة 2020 في مادته 47 حماية معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي كحقٍ أَساسِيّ يعاقب القانون عَلَى انتهاكه، وقد رسَّخَ القانون 18-07 المتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، مَجْمُوعَةً مِنَ الضَّوَابِطِ وَالآليات الفعلية لتضع الإطار القانوني المحدّد لنظام معالجة المعطيات في بلادنا، والتصدي للآثار المترتبة على التطوّر السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال.
وانطلاقا من مبدأ وجوب أن تتم معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بما يضمن عدم سوء استعمال هذه المعطيات والتلاعب بها لأغراض غير مشروعة، وضع القانون جملة من الالتزامات على عاتق المسؤول عن المعالجة تحفظُ حقوق الأشخاص وشرفهم وسمعتهم.
وبالنظر إلى المخاطر التي قد تمثّلها عملية المعالجة وطبيعة المعطيات الواجب حمايتها ألزم المشرّع الجزائري المسؤول عن المعالجة بوضع التدابير التقنية والتنظيمية الملائمة لحمايتها من جميع أشكال الاستعمال غير المشروع.
وجعل الموافقة المسبقة للشخص المعني إجراءً مُسبقًا أساسيًا، لا تصحّ المعالجة دونه، كما جعل تحديد الغاية من ذات المعالجة شرطًا لا يجوز تغييره لاحقًا بشكل يتنافى مع هذه الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، حدّد في المقابل، مجموعة من الحقوق للشخص المعني بالمعالجة وبيّن كيفية ممارستها.
الســـــيدات الفضليـــــات، الســـادة الأفاضــــل،
إنّ السلطة الجزائرية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي هي سلطة إدارية مستقلة أُنشئت لدى رئيس الجمهورية، تتمتّع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي والإداري، تتولّى أساسا السهر على مطابقة معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي للقانون، كما تسهر على عدم إنطواء استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال على أي أخطار تتعلق بالمساس بحقوق الأشخاص وشرفهم وسمعتهم، وهذا من خلال تحديد معايير وقواعد السلوك والأخلاقيات التي يجب أن تخضع لها معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي في بلادنا، قصد ضمان معالجة المعطيات الشخصية بشكل آمن وأخلاقي.
ومن منطلق السعي لتحقيق الموازنة بين تشجيع التطور التكنولوجي وحماية الخصوصية، تعمل السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في الجزائر، على تجسيد مبدإ المقاربة التشاركية، الذي يهدف أساساً إلى تحسيس ومرافقة المسؤولين عن المعالجة والأشخاص المعنيين بها بضرورة تكريس أحكام وروح القانون السالف الذكر، إيمانا منها بأن العمل التشاركي هو أساس بناء بيئة رقمية ناجحة ومتطورة تصان فيها الحقوق والحريات العامة.
فتجربة الجزائر في هذا المجال قائمة على أساس خلق الشروط الضرورية لتسهيل عملية مطابقة معالجة المعطيات الشخصية مع أحكام القانون، سعياً منها للمساهمة في دفع عجلة التطور الرقمي والابتكار الذي تشهده بلادنا خلال السنوات الأخيرة، والتي يولي لها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون كل العناية والأولوية في ظل احترام الحقوق الأساسية للإنسان وفقا للمواثيق والعهود الدولية.
فمن هذا المنطلق، عملت السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي في الجزائر منذ الوهلة الأولى وبوتيرة متسارعة على تذليل العقبات المتعلقة بإجراءات المطابقة مع أحكام القانون السالف الذكر، وهذا من خلال إطلاق منصة رقمية تتيح للمسؤولين عن المعالجة ملء استمارات التصريح بإجراء المعالجات وطلبات الترخيص مع إمكانية متابعة وضعياتها عن بعد، مما يسهم في إنشاء قاعدة مركزية للمعالجات، ويعزّز من برمجة عمليات مراقبة على مستوى محلات المسؤولين عن المعالجة.
الســـــيدات الفضليــــات، الســـــادة الأفاضــــل،
يعتبر بناء ثقافة حماية المعطيات في بلادنا العربية من أهم التحديات المستقبلية. فزرع الوعي في أوساط مجتمعاتنا بشأن الإجراءات الوقائية المرتبطة بها هو السبيل الأمثل لتكوين أفراد يتحكّمون في استعمال بياناتهم في الفضاء الرقمي، بالشكل الذي من شأنه التقليل من المخاطر الناتجة عن استعمال التكنولوجيا، وهو ما يدفعنا اليوم، أكثر من أي وقت مضى للعمل المشترك من أجل رسم استراتيجيات واضحة تهدف إلى تعزيز الوعي في مجتمعاتنا العربية.
وفي الأخير، أُثمّن عاليًا الأهداف التي يصبو هذا اللقاء إلى تحقيقها مع التذكير أنّه في ظل التقدّم التكنولوجي السريع تظل الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية من القضايا الحيوية التي لابدّ أن يعمل الجميع على تعزيزها وضمان أمن حمايتها من خلال الوعي والالتزام بالقوانين والتقنيات المناسبة لبناء بيئة رقمية أكثر أمانًا للجميع.
كما لا يفوتني في ختام مداخلتي أن أُنوّه عاليًا بأهمية تعزيز الشراكة بين سلطات وهيئات حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والعمل بشكل جماعي قصد توحيد الرؤى أمام هذه الرهانات الكبيرة.
شكـــــرا جزيلا لكم جميـعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.