كلمة رئيس السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي السيد بورحيل سمير خلال فعاليات الملتقى الوطني الأول حول ” السيادة الرقمية للدولة، سياسات وتجارب مقارنة” تحت عنوان:
“حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وتأمينها جزء لا يتجزّأ من السيادة الرقمية”.
باسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيّتها السيدات الفضليات،
أيها السادة الأفاضل،
أيّها الحضور الكريم،
هذه فرصةٌ طيبةٌ تُتَاحُ لَنَا لمُشاركَة الثُّلَّةِ النبيهةِ الحاضرةِ بالنصيبِ المُمْكنِ منْ عُمْرِ هذا الملتقى العلمي الثريّ بالكفاءاتِ والقدراتِ والأفكارِ والاقتراحات والذي شاء مُنَظِّمُوهُ وقَدْ أَصَابُوا الدَرِيئَةَ أنْ يُطرَح على طاوِلةِ الفَحْصِ والتَّشْرِيحِ مَوضُوعًا له أهمِيَتُهُ البَالغَة الأكِيدَة في برنامجِ رئيس الجمهورية السيّد عبد المجيد تبون ، وهُوَ السيادةُ الرَقميةُ للدَوْلَةِ.
ولابدّ لي في هَذَا السياقِ أَنْ أَتَوَجَّهَ بالشُكْرِ الخاص إلى السيد عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أجل مَكْرَمَتَيْنِ أَرَى مِنَ الوَاجِبِ الإشَادَةُ بِهِمَا:
– أَمَّا المَكْرَمَةُ الأولى فهي تَوْجِيهُ الدعوةِ إلى السلطةِ الوطنيةِ لحمايةِ المعطياتِ ذاتِ الطابعِ الشخصِي للمشاركة في هذا الملتقى القيّم.
– بينما تتمثّل المَكْرَمَةُ الثَانية التي تستحقُّ كُلَّ الثَنَاءِ والتَقْدِيرِ في حُسْنِ اختيارِ مَوْضُوعِ هَذَا المُلْتَقَى بالذَّاتِ كَوْنُه جَاءَ مُتَفَاعلًا مع متطلّباتِ الدولةِ الرقميةِ وقد بات من واجبِ المهتمين والمختصّين أن يُولُوه المَزيدَ من الإهتمامِ بالتحليلِ والدراسةِ والاقتراحاتِ.
أيتها السيدات الفضليات
أيها السادة الأفاضل
إنَّ الفضاءَ الإفتراضي الجديد، أو المجال العام الإفتراضي، الخارجِ عن الإقليمِ الجغرافي السيادي للدولة، الناتج عن تطوّر تكنولوجياتِ الإعلامِ والاتصال يُشكّل هَاجِسًا لمُعْظَمِ الدولِ لاَسِيَمَا الأقلّ تطوّرًا، إذ يُحَاوِل الإِنْفِلات من قَبْضَتِها وهي تَتَصَدّى جاهدةً لهذه المحاولات قصد ترويضها وبَسْطِ سَيَادَتها على هذا الفضاء الجديد الذي يَدخُل ضِمنَ سيادةِ إقليمِها الإفتراضي.
وهنا بَرَزَ للوُجُود مصطلح جديد عُرف بـ”السيادة الرقمية”.
ولَعَلَّ من أبرز مظاهر التحكّم في هذا الفضاء الإفتراضي الجديد، حماية قواعد البيانات والأنظمة المعلوماتية الخاضعة للدولة التي تكون فيه حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي اللبنة الأولى للسيادة الرقمية.
بتخطّي الأنترنت حدود الدولة المادية، لوجوده في نطاقات تتحكّم فيها دولٌ وكياناتٌ أخرى كانت سبّاقة في المجال المعلوماتي والتكنولوجي.
هو ما يزيد المسألة تعقيدًا، تَتَأَرْجَحُ بين ضَرُورَةِ الاستعمالِ ومَخَاطِرِ الإستعمالِ.
فالاستعمالُ الكبير أدّى إلى جَمعِ كمياتٍ هائلةٍ منَ البياناتِ وتخزينِهَا في قواعد معطيات أُنشِئَت هنا وهناك – بغَرضِ تبادلِ المعلوماتِ وتوظيفِها في شتّى المجالات التجارية والسياسية والاقتصادية- دونما مراعاةٍ لمعاييرَ تحمِي خُصوصيةَ حياةِ الأفرادِ.
الأمرُ الذي استَلزَم وضعَ قوانينَ وتدابير تنظيمية وتقنية لحماية حقوق هؤلاء الأفراد وخصوصيتهم، وللوصول إلى هذا المُبتغى لابدّ من ضمانِ تخزينِ البياناتِ المُجمّعة والمعطيات المعالجة وطنيًّا بالإعتماد أساسًا على كفاءاتٍ وطنية تُسنَد إليها مُهِمَّة حماية الإقليم الإفتراضي للدولة بتوفيرِ الوسائل المادّية واللّوجستية بغرض الحصول على الإستقلالية والتحكّمِ في الرقمنةِ التي تُعَزِّزُ سيادةَ الدولةِ.
بدونِ شكٍّ فإنَّ مثلَ هذهِ الملتقياتِ والندواتِ التي تُقِيمُها الجامعةُ الجزائريةُ لَخَيْرُ دَليلٍ على اهتمَامِها بتكوينِ من سَيَتَولَّون هذه المهام النبيلة مستقبلًا.
وانطلاقًا من هذا، نطرح السؤال حول آليات الحماية المكرّسة في التشريع الجزائري لحماية وتأمين المعطيات ذات الطابع الشخصي كجزءٍ لا يتجزّأ من السيادة الرقمية للدولة؟
إنَّ المشرّعَ الجزائري لم يكن في مَنْأًى عَنْ هَذَا التصوُّر، لأنّه يعي أنّ تحكّمَ الدولة في فضائها الرقمي هو تأكيدٌ لسيادتها وتعزيزٌ لضمان خصوصية وحُرمة مواطنيها بل، كلّ من تواجد على إقليمها.
ولتَحقيقِ ذلك جاء القانون رقم 18-07 المؤرخ في 10 جوان 2018 المتعلّق بحماية الأشخاص الطبيعيين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي كآلية دستورية لِتَضَع الإطار القانوني المحدّد لنظام معالجة المعطيات في بلادنا، والتصدّي للآثار المترتّبة على التطوّر السريع لتكنولوجيات الإعلام والإتصال على الحياة الخاصة وحرّية الأشخاص وشَرفِهِم وسُمْعتِهِم.
وهو ما أَوْلَتْهَا تعهّدات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الواردة في برنامجه، مكانةً خاصّةً في إطار ما خَصّته من آلياتٍ لترقية وتطوير حقوق الإنسان وتكييفِ سُبُلِ العنايةِ مع المستجدّات الحاصلة على الصعيد التكنولوجي، وهو ما يتّسق تمامًا مع ما جاءت بها المادة السابعة من العهد الدولي المتعلّق بالحقوق المدنية والسياسية، وكذا التشريعات المتطوّرة في رُبوعِ المعمورةِ.
إنَّ هذهِ المقاربة القانونية تهدفُ أساسًا – من خلال وضع منظومةٍ وقائيةٍ لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، المُعَالَجَةِ في مختلف الشبكات وعبر مُخْتَلَف البُنْيَات التحتية الرّقمية مهما كان مَصدَرُها أو وِجْهَتها – إلى تعزيز الحماية من أيّ أشكال سرقة البيانات أو تعطيلِ البُنى التحتية الرّقمية، ممّا يَعملُ على تَعزِيزِ السيادةِ الرقميةِ على المعطياتِ الشخصيةِ.
ولبُلوغِ ذلك، اُعْتُمِدَتْ آلِيَاتٌ قَانُونِيَةٌ تُحدّد قواعد حماية الأشخاص الطبيعيّين في مجال معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي والتزامات المسؤول عن المعالجة.
التي تُوجِب عليه التقيّدَ بالسرية والسلامة بالنظر إلى المخاطر التي قد تمثّلها هذه المعالجة وطبيعة المعطيات الواجب حمايتها لاسيما إذا كانت مصنّفة قانونًا حسّاسة ووُضعت لها شروطٌ خاصةٌ.
ومن جهةٍ أخرى، فإنّ مسألةَ نقلِ وتحويلِ المعطياتِ نحو الخارج قد تمّ ضبطُها من خلال عدم جواز النقل إلى دولة أجنبية إلّا بترخيصٍ من السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، مع ضرورةِ توفّرِ مستوى كافٍ للحمايةِ بهذه الدول للحرّيات الخاصة والحرّيات والحقوق الأساسية للأشخاص إزاء المعالجة التي تخضع لها هذه المعطيات أو التي قد تُخْضَع لها.
وعلى هذه السلطة الوطنية أن تُقدِّر المستوى الكافي الذي تَضمَنُه الدولة المعنية لاسيما من حيث الغاية ومدّةَ حفظِ المعطياتِ المعالجةِ ووِجْهَتِهَا.
وعِلاوةً على هذا كلّه، وتكريسًا للسيادةِ الرقميةِ فإنَّ السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي لا يُمكِنُها – بأيّ حال من الأحوال – الترخيص بنقل المعطيات نحو الخارج إذا كان ذلك قد يؤدّي إلى المساسِ بالأمنِ العمومِي أو المصالحِ الحيويةِ للدولة.
وتجدُرُ الإشارةُ في هَذا المقام، وفي إِطار تَعْزِيزِ السيادةِ الرقميةِ، أنّه لا يُمكن الدخولُ إلى البوّابةِ الرقميةِ للسلطةِ الوطنيةِ لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي من خارج الوطن.
لِأنَّ الجزائر حريصةٌ دَوْمًا – عبر مؤسّساتها الدستورية – على تحقيقِ حمايةِ وتأمينِ المعطياتِ ذاتِ الطابعِ الشخصي وكَذَا حِمايةِ البُنى التحتية الرقمية.
لقدْ عَمِلَتْ الجزائر على مُواكبةِ التطوّرِ التكنولوجي لوسائلِ الإعلامِ والإتصال من خلالِ تعديلِ وسنِّ نُصُوصٍ تشريعيةٍ تُساهمُ في تدعيمِ السيادةِ الرقميةِ نَذكرُ مِنها على سبيل المثال لا الحصر.
- قانون الإتصالات الإلكترونية.
- قانون حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
- قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.
- المرجع الوطني لأمن الأنظمة المعلوماتية.
أمّا على الصعيدِ العربي، فقد بَادَرتْ الجزائر في إطارِ جامعةِ الدولِ العربية إلى اقتراح اتفاقية على الدولِ الأعضاء قصدَ إعدادِ مشروعٍ اتفاقيةٍ عربيةٍ حولَ حمايةِ المعطياتِ ذات الطابع الشخصي، وقدْ أَصدر مجلسُ وزراء العدل العرب موافقته على المُقترحِ، كَوْن المشروع يأتي استجابةً للحاجياتِ المرتبطةِ بالتبادلِ التجاري والتطوّرِ الاقتصادي والتكنولوجي الذي تعرفُهُ المنطقةُ العربية.
وعلى الصعيدِ الدوليِّ، فإنّ منظّمة الأمم المتحدة تولي أهميةً كبيرةً للدفاعِ عن السيادةِ الرقمية، وتُدرك مَليًّا أنَّ الفضاءَ الرقميَّ يُشكِّل مجالًا هامًّا للنشاط البشري، وأنَّ للدول الحق في التحكّم في استخدامِ بياناتها وموارِدِها الرقمية.
وتُركّزُ المنظّمة نفسُهَا جهودها لتعزيز الحوار والتعاون الدوليين قصدَ تطويرِ المعاييرِ الدولية المتعلّقة بالسيادةِ الرقميةِ، ومساعدةِ الدولِ النامية لبناء قُدُراتها في مجال الفضاء الرقمي من خلالِ التأكيدِ على حمايةِ الخصوصيةِ.
والجزائرُ في هذا الصددِ تُدرِك أيضًا تَمَامَ الإدراكِ أهميةَ السيادةِ الرقميةِ وتَسعَى جَاهِدَةً لتعزِيزِها من خِلالِ الاستراتيجية الوطنية للتحوّلِ الرقمي التي سَطَّرَها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون مِنْ أجلِ بناءِ اقتصادٍ رقميٍّ شاملٍ وتحسينِ الخدماتِ العمومية وتعزيزِ الإندماجِ الرقمي وكلُّ ذَلكَ في إطارِ حمايةِ وتأمينِ المعطياتِ ذاتِ الطابعِ الشخصيِّ.